بعد أن إنتهت قالت :
- " كنت قادمة لغرفتك لأسالك إذا ماكنت تريد أن أجلب لك الطعام .. فدققت على الباب لم ترد .. ففتحت الباب ودخلت .. لأجدك واقف وتنظر إلى شئ ما ..فنظرت ناحية ما تنظر لم أجد شيئاً .. ظللت أناديك .. وأنت يبدو عليك أنك لا تسمعنى .. فجأة رأيت في وجهك كل ملامح الألم في الكون كله .. تفتح فمك كأنك تريد الكلام ولكن لا تستطيع إخراجه .. كنت واقفة بجانبك ولا أدرى ما أفعل .. وفجأة وقعت مغشي عليك .. وكانت الحادثة مؤلمة .. فأنتَ قد وقعتُ مباشرةً على ذلك المكتب .. بالتحديد جاءت الصدمة تحت أسفل عيناك .. "
أنهت كلامها وإقتربت مني وعانقتني بحنان شديد .. وكأنها أمي ثم أردفت :
- " الحمدلله أنك بخير .. كدت أموت قلقاً عليك .. لقد أدركت بالفعل أنني سأموت إذا فقدتك "
قبـًّـلتـُـها على رأسها و قلت :
- " لن تستطيعي العيش بدوني ولن أستطيع العيش بدونك .. فقد رحلا والدانا إلى السماء منذ فترة طويلة
كنت أنا في الـ ( 19) من عمري و أنتي كنتي في الـ (20) من عمرك .. لكنني كنت أشعر وكأنك أمي ولستِ أختي فقط. .. الحقيقة أنتي أختي و أمي وكل شئ في حياتي .. "
كانت تزداد بكاءاً مع كل كلمة تقال .. إنها شديدة الإحساس .. تتعامل معي بطريقة تـُـشعرني أنها المادة الخام للحنان ..
- " يجب أن تذهبي لتستريحي قليلاً الآن .. فأنا أشعر أنني بخير "
قتلها لها .. لأجلس وحدي قليلاً حتى أدرس الموقف بهدوء .. لكن للأسف وجهي يؤلمني .. وكان به شئ كخدش لكنه عريض ..بالتأكيد لن تكون عاهة مستديمة .. لكنها ستأخذ بعض الوقت .. وكنت أفكر كيف سأمشي في الشارع بهذا " المنظر "
تـُرى هل ما رأيته مجرد كابوس بسبب أنني أًغمى على ؟ ستكون هذه النظرية صحيحة إذا عرفتُ السبب في الإغماء .. بمعنى أنني أحتاج طريقة تجعلني أعرف هل أغمى علي بسبب الكابوس .. أم رأيت الكابوس بسبب الإغماء !!
إنها المرة الأولى التي يحدث فيها هذا لي .. لكي أكون صريح معك .. أنا أدخن الحشيش , لكن من سيخمًّن أن ماحدث حدث بسبب الحشيش فليتأكد أنه لا يعرف شيئاً عن الحياة ..لأن الحشيش لا يفعل مثل هذه الأشياء و أغلب الناس يعرفون ذلك حتى الأطباء .. أنا لست فخور بهذه العادة .. لكنني لست خجول منها أيضاً .. وهذا ليس موضوعنا على كل حال.
...
نسيت أن أعرٍف نفسي .. أنا إسمي " بدر " عمري الآن 26 عاماً .. أعمل في " ميناء الأسكندرية "
وخطيبتي بالمناسبة تعمل معي هناك في نفس الإدارة و هي إدارة " الشئون الإدارية لميناء الأسكندرية " .. ولهذا أنا أعشق عملي هناك .. و لا آخذ أجازات على الإطلاق إلا إذا كان الأمر يستحق الأجازات .. وهي كذلك .. لأننا لا نستطيع أن لا نرى بعضنا يومياً .. إسمها " مريم " بالمناسبة
إتصلت بها صباحاً في اليوم الذي تلا الحادثة .. ولم أذهب للعمل بالطبع .. أنا أملك 50 يوماً - تقريباً - كأجازات .. لذا طلبت منها أن تكتب لي طلب الأجازة وتقدمها لـ " رئيس القطاع "
- " لماذا تريد أجازة أسبوع ؟؟؟ "
قالتها بنبرة حادة, لكنني رددت عليها بهدوء :
- " سأخبرك فيما بعد يا " مريم ", حينما نتقابل. "
- " لا يا " بدر " ستقول لي الآن !! "
رَفــَـعتُ صوتي قليلاً :
- " قلت لك سأخبرك فيما بعد .. فلتكفي عن لـَعـِـب الأطفال هذا "
- " حسناً, كما تريد "
قالتها بنبرة جادة .. و أنا كنت متوقع أنها ستكون خائفة علي حينما أطلب أجازة أسبوع .. أنا أعشقها .. و أعلم أنها مثلي تماماً .. بل أنا متأكد من ذلك .. وهي متأكدة من ذلك أيضاً ..
هي تظن أن الأمر لا يستحق .. لكن أنا متأكد أنها ستتصل بي بعد ثواني لتقول أنها أدركت خطئها .. وأنها كان يجب أن تظهر قلقاً أكثر من ذلك ..
و بالفعل بعد خمس دقائق رن الهاتف .. فرددت :
- " راهنت نفسي على أنكِ ستتصلي الآن .. "
- " كيف لا أتصل و أنا أحبك أكثر من أي شئ في الدنيا كلها "
- " و أنا أحبك بنفس الدرجة التي أحب بها أختي .. وهو حب إلى درجة الجنون .. ولم أتوقع أبداً أن أحب أحد في الدنيا كلها بنفس قدر حبي لأختي " ياسمين " .. و أنتِ .. أعشقك .. لكن أحياناً تفكرين بطريقة خاطئة .. "
- " أعدك أنني سأحاول أن لا أغضبك من الآن .. و الآن قل لي, حبيبي .. ماذا حدث ؟ "
فحكيت لها .. وبعد أن إنتهيت .. سألتني هي بحزن شديد :
- " وماذا تنوي أن تفعل الآن ؟؟ "
- " أنا حجزت في عيادة طبيب في " محطة الرمل " و سأذهب الساعة الـ 6:00 مساءاً. "
- " سآتي معك .. "
- " لا يا " مريم " أحتاج أن أكون وحدي .. لا تغضبي مني ..لكنني بالفعل أحتاج هذا "
- " لن أغضب منك بالطبع .. فأنا أقدر ما تشعر به "
- " سأذهب الآن لأشتري سجائر .. و سأكلمك فيما بعد .. أحبك "
- " أحبك " .
أنهيت المكالمة .. و ذهبت للإستحمام للإستعداد للنزول ..
وبالفعل في السادسة كنت في العيادة ودخلت إلى غرفة رسم المخ ..
إقتربت مني ممرضة حسناء وهي تبتسم .. و أشارت ناحية كرسي في الغرفة ..
- " إجلس هنا من فضلك "
فجلست .. وبدأت هي تضع لي الجهاز فوق رأسي .. هوا يشبه الخوذه لكنه عبارة عن سلوك سميكة .. من الممكن أن يعرفه البعض .. أنا كنت أظن أنه جهاز كبير سيدخلونني بداخله ..
بعد أن أنهت الممرضة تركيب " الخوذة " كانت على وشك تشغيله لكنني تصنعت إبتسامة - على غير العادة -
وقلت :
- " لحظة, هل يمكنني أن أشعل سيجارة ؟ "
فابتــَـسـَمَـت إبتسامة جميلة لكن بدون داعي على الإطلاق .. فأنا لم أكن أمزح
- " أرجوك لا تتحرك حتى يعمل الجهاز بشكل طبيعي وبدون أخطاء " ..
فهززت رأسي بمعني :- " طــب إنـجـزي "
جلست كالصنم لمدة 15 دقيقة تقريباً حتى إنتهى و جاءت الممرضة بصورة رسم المخ
وقالت :
- " عقلك سليم تماماً .. ولا يوجد أي إشتباه لوجود خلل ما و لا يوجد أي سبب مرضي للإغماء .. وعقلك يعمل كأحسن مايكون " ....